“الأوتوكار”… من نعمة الى نقمة!
يُطل العام الدراسي هذه السنة حاملاً معه الهموم بالجملة، فكأن الأهالي لا يكفيهم التفكير بالأقساط والكتب المدرسية والقرطاسية التي ترتفع أسعارها من عام الى عام، حتى تأتي مشكلة النقل الخاص بالمدارس أو “الأوتوكار” لتلقي بظلالها عليهم وتزيد من همومهم.
هي عودة لا تشبه سابقاتها
إرتفاع أسعار وسائل النقل الخاصة بالمدارس يعود بالدرجة الأولى الى الإرتفاع الجنوني بأسعار المحروقات. هذا التغيّر إنعكس على المشهد على الطرقات، فلطالما كنا “نستأنس” بأصوات الطلاب الذين ينتظرون باص المدرسة في الصباح الباكر من كل يوم مدرسي.
ولكن هذا العام، تغيّر المشهد مع تراجع عدد الطلاب الذين يرتادون مدرستهم بالـ “الأوتوكار”.
قرار الأهل بعد إرتفاع كلفة “الأوتوكار”
باتت للباص المدرسي “ميزانيته” الخاصة، مما دفع بقسم من الأهالي الى التفكير بحلول بديلة.
السيدة نور حداد، أم لثلاثة أولاد، كانت في الأعوام السابقة تقوم بتسجيلهم في الباص المدرسي للذهاب الى مدرستهم في العاصمة بيروت. وتشير الى أنها لم تسجلهم هذا العام نظراً لإرتفاع التكلفة، وتقول: “يريدون عن كل طالب 350 ألف ليرة من أجل النقل المدرسي”، سائلة: من أين نأتي بهذه المبالغ؟ ماذا يظنوننا نعمل؟
وعن الإجراءات التي إتخذتها من أجل إيصال أولادها الى المدرسة، تقول حداد: طلبت من مديري في العمل أن يسمح لي بالتأخر نصف ساعة كل يوم من أجل إيصال أولادي وهو سمح لي شرط أن يمتد دوام عملي نصف ساعة عن كل يوم تأخير. وتضيف: هذا الإتفاق كان مناسباً لي ولعائلتي الى حد ما، لأن زوجي هو من يصطحب الأولاد من المدرسة بعد الظهر.
السيد ناجي منصور، أب لولدين، قرر هذا العام تغيير مدرسة ولديه بهدف توفير المواصلات، فهم من سكان ضواحي بيروت وكانت المدرسة في قلب العاصمة، تبعد حوالى 20 دقيقة بالباص عن منزلهم. ويقول: إخترت مدرسة قريبة من منزلنا، تبعد حوالى الخمس دقائق سيراً على الأقدام. ويضيف: إخترنا المدرسة الأنسب من الناحية العلمية والمادية، فلم يعد باستطاعتنا التفكير بالجانب العلمي فقط.
وعن السبب وراء إتخاذه مثل هذا الخيار، يقول منصور: طلبت المدرسة في أول شهر من العام الدراسي الحالي مبلغ 600 ألف ليرة عن كل ولد من أجل “الأوتوكار”، وذلك لأننا نقطن خارج العاصمة. ويؤكد أن خياره بنقل أولاده كان صعباً بعض الشيء، لأنهم باتوا في صفوف متقدمة وقد تعودوا على مدرستهم ورفاقهم. ويضيف: خيارنا كان لا بد منه خصوصاً أن عملي في السلك الأمني لا يسمح لي بأن أتأخر عن وظيفتي من أجل إيصالهم كما أن زوجتي لا تجيد قيادة السيارة.
الأهالي لا يمكنهم تصور ما ينتظرهم بعد
رفع الدعم عن المحروقات وإرتفاع الأسعار بشكل أسبوعي، سبّبا المشاكل للأهل، وفي هذا السياق تؤكد رئيسة إتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة في لبنان لما الطويل أنهم كانوا وما زالوا يطالبون بتأمين دعم المحروقات للمدارس عبر البلديات، مشددة على أن هذا ما لم يحصل بعد. وتأسف لوصولنا الى مرحلة بات فيها قسط النقل المدرسي يساوي تقريباً القسط المدرسي.
وعن بعض الأساليب التي يلجأ إليها الأهالي، تقول الطويل: المشكلة كبيرة جداً، والأهالي يعانون كثيراً ويلجأون الى أسلوب مثل الـ car pooling ، أي أن مجموعة من الأهالي في الأحياء القريبة من بعضها، تتقاسم المهمة، فالبعض يقوم بإيصال الأولاد والبعض الآخر يعيدهم من المدرسة.
المعاناة قد تؤدي الى كارثة
العديد من المدارس طلب في الشهر الأول من العام الدراسي 300 ألف ليرة للنقل ومن ثم 600 و 700 ألف ليرة، والمدارس الكبيرة أو البعيدة باتت تطلب 150 دولاراً “فريش” في الشهر، حسب ما أشارت الطويل التي تتوقع أن تؤدي معاناة الأهالي الى كارثة، وهي عدم تمكنهم من إرسال أولادهم الى المدرسة بحدود رأس السنة، فمعظم إمكانيات الأهالي محدودة ولا نريد بقاء الأولاد في المنازل.
الحل مطلوب اليوم قبل الغد
صحيح أن الدولة عودتنا على البحث عن الحلول بعد وقوع الكارثة، ولكن المطلوب اليوم إيجاد الحل سريعاً… حتى لا نقول عندها “لن ينفع الندم”. فهل من آذان صاغية وضمائر صاحية؟
ديما الحجّار- موقع إذاعة صوت لبنان
*هذا الموضوع تم إنتاجه بدعم من برنامج “النساء في الأخبار” التابع للمنظمة العالمية للصحف وناشري الأنباء “وان-ايفرا”