قلم لا يموت: في ذكرى من سقطوا لقول الحقيقة
قلم لا يموت: في ذكرى من سقطوا لقول الحقيقة
في السادس من أيار من كل عام، يستعيد اللبنانيون والعرب ذكرى شهداء الصحافة، أولئك الذين اختاروا الكلمة سلاحًا في وجه الظلم، ودفعوا حياتهم ثمنًا لمواقفهم وكتاباتهم. هذا التاريخ يحمل رمزية خاصة، إذ يعود إلى عام 1916 حين أُعدم عدد من الصحافيين والمفكرين اللبنانيين والسوريين على يد السلطة العثمانية، بعدما اتُهموا بالدعوة إلى الاستقلال والتحريض على مقاومة الاحتلال، وكانوا من أوائل الذين آمنوا بأن الكلمة الحرة قد تُرعب الطغاة أكثر من البنادق. ويقول نقيب المحررين جوزف القصيفي ان الذين سقطوا على أعواد المشانق في ساحة الشهداء في بيروت ودمشق لم يكونوا مجرد كتّاب بل رواد فكر وأصحاب مشروع تحرّري نهضوي آمنوا بأن الصحافة ليست ترفًا بل مسؤولية. يومها، جُرّت أقلامهم إلى المقصلة، فقط لأنهم تجرأوا على كتابة ما لا يُقال، وتوثيق ما لا يُراد له أن يُعرف. كانوا مؤمنين بأن للصحافة وظيفة تتجاوز التوثيق والكتابة، إلى الفعل والمشاركة والتأثير في مسار التاريخ، مشيرا الى قانون جديد وعصري للاعلام يصون حرية الصحافيين.
مع دخول الصحافة عصر الإعلام الرقمي، اتسعت ساحة المعركة لكنها ازدادت تعقيدًا. الأخبار الكاذبة، والاغتيالات المعنوية، وحملات التخوين والتشهير أصبحت من أدوات الحرب على الكلمة. ومع ذلك، فإن إرث شهداء 6 أيار يمنحنا القوة، ويذكّرنا بأن من سبقونا كتبوا بدمائهم ما نعجز أحيانًا عن كتابته بالحبر، وبأن الصحافة لا يمكن أن تموت ما دامت هناك قضية، وصوت، وضمير.
هذا اليوم، لا يجب أن يكون مجرد مناسبة رمزية، بل محطة لمحاسبة الذات، وتجديد الالتزام. إنه دعوة للمؤسسات الرسمية لحماية الصحافيين بدلًا من تهميشهم، وللرأي العام أن يحمي من يكتب باسمه، وللصحافيين أن يصونوا المهنة من التسييس والانحراف. فليس من تكريم حقيقي للشهداء، إلا في استمرار الدفاع عن الحقيقة، أياً كان الثمن.